الاخصاب: الأسابيع الستة الأولى

 فترة الحمل تمتد على 39 أسبوعاً، وفي خلالها تتحول البويضة الى جنين ينمو بسرعة فائقة. في موازاة هذا النمو “تحولات” وتغيرات يمكن معاينتها في جسد الأم الحامل، لا تقتصر على الجوانب الفيزيولوجية وإنما تتجاوزها الى الجوانب النفسية. ما الذي يحدث؟

جسد المرأة صُمم كي يتحمل كل هذه التحولات، إنه يعدل نفسه بنفسه بصورة تسمح باستقبال كل نتائج الاخصاب، وإحاطة القادم الجديد بكل مستلزمات الأمان والراحة.

والتبدلات الخارجية للجسد  تكون واضحة وحسية، كالتقيؤ ووجع الظهر وانتفاخ الثديين. وما لا يكون ظاهراً هو ما يحدث داخل البطن، وكيف أن لقاء البويضة والحيوان المنوي، سوف يؤدي، بعد تسعة أشهر، الى ولادة طفل جميل يزن كيلوغرامين أو ثلاثة أو أربعة بطول يقارب النصف متر أو أكثر.

المغامرة تبدأ بالبويضة التي تستوطن الرحم. أما الحياة فتبدأ عندما تتعانق البويضة والنطفة (Spermatozoide) في قناة فالوب. هذا الاندماج  الذي يحدث بعد ساعات قليلة من العملية الجنسية، تنتج منه ولادة بويضة مركبة من خلية جينية واحدة.  إنها البيضة الملقحة.

وطوال 39 أسبوعاً هي فترة الحمل، يتحول الجنين الى طفل، ومع هذا التحول يتغير جسدك وتتغيرين أنت أيضاً. في البداية يكون الجنين عبارة عن 0.1 ملليمتر، وفي نهاية الشهر التاسع يصير طوله 50 سنتمتراً.

كيف صارت هذه “الكيسة” (الكيس الصغير) كائناً حياً بكل معنى الكلمة؟

في الساعات القليلة التي تلي الاخصاب، تتكوّن ملايين الأهداب على سطح الغشاء المخاطي لقناة فالوب، وتتولى دفع البويضة في اتجاه الرحم. منذ تلك اللحظة تبدأ البويضة في الانقسام من دون توقف: في الأيام الثلاثة الأولى من العملية تتحول الخلية الى ثماني خلايا، وبعدها بـ24 ساعة يصبح عدد الخلايا 16.

في اليوم الخامس تحمل البويضة التي كانت في البداية خلية واحدة اسماً جديداً هو الكيسة (blastocyste)، والخلية  الجديدة التي تتكوّن منها هذه “الكيسة” تتشعب وفق اختصاصاتها أو وظائفها الجديدة، بعضها يتطور ليشكل فيما بعد الجنين، والبعض الآخر ليشكل المشيمة، أو الأرومة الغاذية.

في هذه المرحلة، وفي الموضع الذي ينكمش فيه نفق فالوب، يتمدد عضل كان حتى الآن منكمشاً بعض  الشيء، ليسمح بمرور “الكيسة” الى منطقة الرحم.

في اليوم السادس تنتهي عملية الانتقال وتصل الكيسة الى مقرها النهائي، وتفتش بنفسها عن مكان تستقر فيه داخل بطانة الرحم.

في اليوم التالي تكون قد تمركزت على جدار الرحم، وفي آخر الأسبوع الأول يكون قياسها 0.1 ملم، أي الطول الذي كانت عليه في مرحلة البويضة.

الأسبوع الثاني

المشيمة والكيس الأمينوسي يرتسمان، والجنين يبدأ في التكوّن.

في هذه المرحلة يبدأ التواصل بين “الكيسة” والدورة الدموية لدى الأم بواسطة الأرومة الغاذية فيما تتمركز البويضة في بطانة الرحم اعتباراً من اليوم التاسع للحمل.

في الكيسة يأخذ الجنين شكلاً يشبه قرصاً بيضاوياً من طبقتين: طبقة بطنية وأخرى ظهرية، تفصل في ما بينهما طبقة ثالثة (متوسطة) في خلال أيام. هذه الطبقات هي أساس تكوّن كل الأنسجة والأعضاء.

واعتباراً من اليوم الثامن يتكوّن “الكيس” الذي سوف يعيش الطفل في داخله لتسعة أشهر، ويكبر حجمه يوماً بعد يوم. خلايا الجنين في يومه الثاني عشر ألفا خلية، وفي نهاية الأسبوع الثاني يبلغ طوله حوالى 0.2 ملم.

الأسبوع الثالث

هذه المرة شيء ما يتبدل: قلب الجنين سوف يبدأ في الخفقان. ماذا أيضاً؟

الى جانب القلب يتسارع تجزؤ الخلايا ويتضاعف حجم الجنين عشر مرات دفعة واحدة. وفي أحد طرفي المشيمة يظهر نتوء صغير وكأنه انتفاخ، انه الرأس. في الطرف الآخر يظهر شكل ما يشبه الذنب، انه برعم الذيل، وهو في النهاية ما سوف يصبح العجز، عجز (مؤخرة) الطفل الآتي. وفي وسط الكيس (المشيمة) تبدأ الأعضاء الأخرى في الظهور، بصورة خاصة الجهاز الهضمي  وجهاز التنفس. وفي ناحية الظهر يبدأ تكون الجهاز العصبي، والأعضاء الحسية كالجلد والأظافر والشعر. وفي الوسط يتكون العمود الفقري والأعصاب، والأوعية الدموية (القلب والشرايين) بالاضافة الى الغدد الجنسية.

في نهاية الأسبوع الثالث (في اليوم الحادي والعشرين بالتحديد) يبدأ قلب الجنين في الخفقان. إنها مجرد تحوّل يمكن مراقبته من خلال انبوبين لا يلبثان أن يتحدا في اليوم التالي، فيتحول الأنبوب الجديد الناتج عن هذا التوحد أو الاندماج الى نبض منتظم. هذه النبضات الصغيرة هي التي سوف تدفع السائل الى الأوعية الدموية التي لا تزال مجرد شعيرات قبل أن تتكون الكريات الحمراء في هذه المرحلة من الحمل.

وفي نهاية الأسبوع الثالث يصبح حجم الجنين ملليمترين اثنين.

الأسبوع الرابع

نهاية هذا الأسبوع تشكل بداية توالد الأعضاء، وهي مرحلة مهمة في نمو الجنين. في هذه المرحلة يتكون الجهاز العصبي المركزي، الجهاز الهضمي، وأعضاء الحس. وفي الفترة نفسها تظهر الأعضاء العليا والنخاع الشوكي. هنا تبدأ الدورة الدموية الدائرية: من القلب الى الشرايين، ثم الملاحق والأوردة التي تعيد الدم الى القلب. في هذه المرحلة يمكن معاينة ظاهرة لافتة هي أن الجنين بدأ يعتدل داخل المشيمة، وأن الفجوة المائية (السائل السلوي) بدأت تكبر. هنا يمكن القول ان الجنين بدأ يسبح في ماء الرحم وأنه معلق بالمشيمة بواسطة حبل السرة الذي بدأ بدوره يتكوّن.

في نهاية هذا الأسبوع يصبح طول الجنين خمسة سنتمرات، بعدما تضاعف وزنه ألف مرة.

الأسبوع الخامس

في الأسبوع الخامس يوحي شكل الجنين بشكل حصان البحر، وفي هذه المرحلة يصبح طوله سبعة سنتمرات، ويظهر  وكأنه يسبح في السائل الذي يحيط به. في هذه المرحلة ينمو قلبه بسرعة (يتضاعف حجم القلب) ويبدو وكأنه كتلة بطنية. حجم الرأس يكبر أيضاً بالتوازي مع حجم الدماغ، حتى انه يمكن معاينة نمو نصفي المخ. في الوقت نفسه تظهر نتؤات العنيني والأنف والفم والأذنين.

واللافت هنا أن كل المخلوقات تتشابه في هذه المرحلة وأن نمو الفئران في أرحام أمهاتها يشبه نمو الأجنة البشرية، لكن تميز البشر من بين سائر المخلوقات يظهر في مرحلة لاحقة.

في نهاية الأسبوع الخامس يصبح طول الجنين سبعة ملليمترات.

الأسبوع السادس

في الأسبوع السادس ترتسم اليدان والقدمان ويبدأ النمو في التسارع بمعدل ملليمتر واحد في اليوم. في نهاية هذا الأسبوع يتكون وجه الجنين ويتخذ شكلاً واضحاً، ومن خلال فمه المفتوح صار يمكن معاينة لسانه الممدود في الوقت الذي تبدأ عيناه في اتخاذ شكلهما الحقيقي. الأعصاب البصرية تبدأ في الظهور واليدان والقدمان تتمددان وأطرافهما (على شكل مجداف) تتكون، وعبر أخاديد هذه الأطراف يمكن معاينة أصابع اليدين والقدمين قبل أن تستكمل شكلها النهائي. ولا بد من الاشارة الى أن رأس الجنين في هذه المرحلة يكون كبيراً جداً قياساً الى جسمه، في الوقت الذي تبدأ فقارياته  في البروز حول النخاع الشوكي كي تشكل فيما بعد العمود الفقري.

في نهاية هذا الأسبوع يصبح طول الجنين 14 ملليمتراً ووزنه 1.5 غرام.

إغلاق